بشري سارة من الحكومة السعودية لجميع الوافدين والمقيمين في المملكة
محمد بن سلمان

من المؤكد أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في السعودية قد تغيرت خلال السنوات الأخيرة، وقد تأثرت العديد من العمالة الوافدة بهذه التغييرات.

فعلى الرغم من أن السعودية كانت وجهة مفضلة للمغتربين للعمل وتحقيق المدخرات، إلا أن ارتفاع تكاليف الإقامة وفرض الرسوم الإضافية على المرافقين وارتفاع التكاليف المعيشية قد أثر على الحياة في الرياض.

بعض العمالة الوافدة وجدت نفسها تعيش بظروف مالية صعبة، حيث أصبحت الأسعار مرتفعة وجزء كبير من رواتبهم يذهب في تغطية تلك التكاليف. فمثلاً، يعيش الكثيرون على مستوى الضروريات فقط في المعيشة، ويتحولون المبلغ المتبقي لأهلهم في بلدهم الأصلي. ويمكن أن يكون معدل الصرف الشهري للعمالة حوالي 500 ريال، بينما يتم تحويل الباقي البالغ 1400 ريال إلى عائلتهم.

وتجد بعض الأشخاص أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة، مثل تسفير أفراد عائلتهم للعودة إلى بلدهم بعد انتهاء عقودهم في السعودية. قد يختارون العيش في سكن مشترك مع زملاء لهم لتوفير بعض المال قبل مغادرة البلاد.

بالتأكيد، تلك التحديات تؤثر على رؤية السعودية كوجهة مثالية للعمل وتحقيق الاستقرار المالي. ومع ذلك، فإن العديد من الأشخاص لا يزالون يرون بأن السعودية بلدًا مباركًا، وقد يستمرون في العمل هناك على الرغم من التحديات المالية التي يواجهونها.

تشير البيانات الرسمية إلى انخفاض في تحويلات الأجانب في السعودية خلال الأشهر الأخيرة. فقد تراجعت التحويلات بنسبة 34.7 في المئة في شهر مارس الماضي بالمقارنة مع نفس الشهر من العام السابق. وقد بلغت قيمة التحويلات حوالي 9.59 مليار ريال، بينما كانت 14.69 مليار ريال في نفس الفترة من عام 2022. ويُعد هذا الرقم هو الأدنى خلال الـ 45 شهرًا الماضية وفقًا لبيانات البنك المركزي السعودي (ساما).

وفي الربع الأول من عام 2023، بلغت قيمة تحويلات الأجانب حوالي 29.87 مليار ريال، بانخفاض بنسبة 22.2 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. فقد سجلت التحويلات في نفس الفترة من العام 2022 حوالي 38.41 مليار ريال.

وفي عام 2022 بأكمله، بلغت قيمة تحويلات الأجانب حوالي 143.2 مليار ريال، بانخفاض بنسبة 6.9 في المئة مقارنة بعام 2021، حيث بلغت قيمة التحويلات في تلك الفترة حوالي 153.9 مليار ريال.

تشير هذه الأرقام إلى انخفاض عام في تحويلات الأجانب في السعودية، وقد يكون ذلك نتيجة للتحديات المالية والتكاليف المرتفعة التي تواجهها العمالة الوافدة في البلاد.

توجد عدة أسباب لتراجع تحويلات الوافدين في السعودية. من بين هذه الأسباب، مغادرة العديد من المخالفين للأنظمة والحوكمة لها تأثير كبير في انخفاض الأرقام. وقد أشار محمد العساف، وزير الدولة للشؤون المالية، إلى أنه خلال العقد الماضي، تم تهريب أكثر من تريليون ريال خارج البلاد، وكان من الأفضل استثمار هذه الأموال في السعودية.

وأظهرت الإحصاءات الرسمية زيادة في عدد الوافدين إلى السعودية بنسبة تزيد عن 17.4 في المئة في نفس الفترة، مما يشير إلى أن ارتفاع التكاليف في المنطقة لا يثني الوافدين عن القدوم للعمل في الدولة الخليجية، نظرًا لانتشار ارتفاع التكاليف في مختلف أنحاء العالم.

ووفقًا لبعض المحللين الاقتصاديين، يلجأ بعض العمالة إلى استخدام طرق غير نظامية لتحويل الأموال لأسباب عدة. في الوقت نفسه، يتم تنظيم هذه التحويلات وفقًا لقواعد مؤسسة النقد العربي السعودي، بهدف منع الوافدين من كشف أموالهم في المصارف. وتتطلب محلات الصرافة ملء استمارة تتضمن اسم الشخص ورقم إقامته أو جوازه، بالإضافة إلى معلومات توضح الدخل الشهري للمحول. ويشير عبدالحميد العمري، عضو الجمعية الاقتصادية السعودية، إلى أن الأجانب “وجدوا طرقًا بديلة للخروج من الاقتصاد المحلي، مثل استخدام العملات الرقمية، والتي تعد سوقًا عالمية تجذب تريليونات الدولارات من جميع أنحاء العالم”. ويشدد العمري على ضرورة إجراء دراسة مستفيضة من قبل البنك المركزي السعودي للتحقق من أسباب انخفاض تلك التحويلات.

ومن الجانب الآخر، يشير العمري إلى أنه من غير المحتمل أن يكون ارتفاع الأسعار هو السبب وراء تراجع الأرقام. فعلى سبيل المثال، تتراوح التضخمات في البلاد بنسبة أقل من 3 في المئة، وهو مستوى أقل بكثير من التضخم في بلدان تلك العمالة.

ويعتقد أعضاء جمعية الاقتصاد السعودية أن انخفاض التحويلات قد يحمل تغيرات إيجابية في الاقتصاد. فالاحتفاظ بتلك التحويلات في الاقتصاد المحلي يسهم في تعزيز الاستثمارات المحلية وزيادة الطلب الاستهلاكي المحلي، وكلاهما يعزز النمو الاقتصادي والتجاري والاستثماري.

تغير مفهوم صناعة السياحة والترفيه في السعودية أثر على طريقة قضاء الوافدين لعطلاتهم الأسبوعية. فقد قاموا بإعادة صياغة ثقافة الترويح عن أنفسهم وبدأوا ينفقون أموالهم في دور السينما والحفلات والمسارح المحلية والمتنزهات، مما أثر على فلسفة الاستمتاع بالحياة. في الماضي، كانت أسواق البطحاء هي الخيار الأول للوافدين في قضاء إجازاتهم الأسبوعية، حيث يتجمع فيها أكبر الجاليات في السعودية. ومع ذلك، تغيرت وتنوعت خياراتهم الآن، ويذهب البعض منهم إلى صالات السينما لمشاهدة الأفلام الهندية، على سبيل المثال.

سهولة وتطور التقنية في السعودية ساهما في زيادة النزعة الاستهلاكية لدى الشباب. فمثلًا، يقول محمود يوسف، شاب مصري يعمل في السعودية، إنه بعد توقيعه لعقد عمل جديد، تغيرت نظرته للحياة بسبب الدخل الشهري الجيد الذي يزيد من معدل الرفاهية في حياته. ومع ذلك، يشير إلى أن التحدي الحالي هو ازدحام الخيارات المتاحة، حيث يمكنك بسهولة شراء أي شيء ترغب فيه في غضون لحظات.

يشير عبدالله الصقعبي، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، إلى أن مجال الترفيه والسياحة يلعب دورًا كبيرًا في تحفيز النشاط الاقتصادي المحلي وجذب الاستثمارات والسياح من الخارج. وبالتالي، يساهم في زيادة التدفقات النقدية المحلية والأجنبية على المدى البعيد. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار مجال الترفيه والسياحة هو السبب الوحيد وراء تراجع حوالات الأجانب إلى الخارج في السعودية. فهناك عوامل متعددة تؤثر في ذلك، مثل تغير أسعار النفط والأحوال الاقتصادية العالمية وسياسات الحكومة والتطورات الاجتماعية والثقافية. بالإضافة إلى ذلك، تأثر حجم واتجاه التحويلات الخارجية للعمال الأجانب في السعودية بالاستقرار الاقتصادي والسياسي في بلد المصدر والبلد المستلم لتلك التحويلات، ومستوى الدخل والوضع الاقتصادي والمالي للعمالة الأجنبية في السعودية، وسعر صرف العملة الوطنية في البلد المستلم، والضرائب والرسوم المفروضة، والسياسات الحكومية المتعلقة بتنظيم العمالة الوافدة وسهولة إجراءات التحويلات الخارجية للعمالة الأجنبية.